بقلم اللواء الدكتور سعد معن الموسوي أهمية الإعلام في إدارة الأزمات الأمنية
أهمية الإعلام في إدارة الأزمات الأمنية

بقلم اللواء الدكتور
سعد معن الموسوي
أهمية الإعلام في إدارة الأزمات الأمنية
يُعد الإعلام أحد الأدوات المركزية في منظومة إدارة الأزمات الأمنية إذ لا يقتصر دوره على البعد الاتصالي فقط بل يتداخل بشكل مباشر في تشكيل التصورات المجتمعية وصناعة السلوك الجماهيري تجاه الحدث الأمني ولهذا يُنظر إليه بوصفه عنصرا فاعلا في “منظومة الاستجابة الاستراتيجية” التي تعتمدها الجهات المعنية عند التعامل مع الحالات الطارئة والتهديدات الأمنية المعقدة
في إطار علم إدارة الأزمات تمر أي أزمة أمنية بثلاث مراحل رئيسية مرحلة ما قبل الأزمة ومرحلة المواجهة ومرحلة ما بعد الأزمة الإعلام يتداخل في جميع هذه المراحل بوظائف مختلفة تستدعي توظيف نظريات الاتصال في الطوارئ وإستراتيجيات التصعيد والتهدئة
في مرحلة ما قبل الأزمة يمارس الإعلام وظيفة استباقية عبر ما يُعرف بـ “الإعلام التحذيري” الذي يعتمد على تحليل بيئة المخاطر المحتملة وبث الرسائل الاتصالية الموجهة نحو رفع مستوى الوعي الأمني المجتمعي وهو ما يتطلب وجود منظومة للرصد الإعلامي القائم على مؤشرات تحليل المخاطر الأمنية ويتم ذلك من خلال استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في تحليل المحتوى الإعلامي ورصد مؤشرات التهديد في الفضاء الرقمي
أثناء الأزمة يتحول الإعلام إلى عنصر فاعل في منظومة “الإدارة العملياتية للأزمة” حيث يكون المطلوب هو توفير المعلومات الدقيقة والمعالجة المهنية المدروسة لضبط الرأي العام وتقليل تأثير العوامل الانفعالية مثل الخوف والغضب والذعر الجماهيري ومن هنا تأتي أهمية “الاتصال في الأزمات” كأحد فروع علم الاتصال الجماهيري والذي يُعنى ببناء خطاب تواصلي متزن يعتمد على الشفافية المدروسة وتوقيت الرسائل ومصداقية المصدر
تلعب الخطة الإعلامية في الأزمات الأمنية دورا محوريا في نجاح الاستجابة المؤسسية إذ ينبغي أن تكون مدمجة في “خطة الطوارئ الوطنية” وتحتوي على إجراءات التشغيل القياسية للرسائل الاتصالية وتحديد المتحدثين الرسميين وتوزيع الأدوار بين وسائل الإعلام التقليدية ومنصات التواصل ويأتي دور المتحدث الرسمي هنا كمكون أساسي في “نظام القيادة والسيطرة” وهو ليس مجرد ناقل للمعلومات بل يمثل قناة رسمية للتعبير عن سياسات المؤسسة الأمنية وطمأنة الجمهور وفق معايير الانضباط المعلوماتي
من أبرز التحديات التي تواجه الإعلام أثناء الأزمات الأمنية هو انتشار الشائعات وهي ما تُعرف في أدبيات الأمن الإعلامي بـ “المعلومات المضادة” التي قد تؤدي إلى تفاقم الأزمة أو توجيه الرأي العام ضد جهود الاستجابة وهنا يظهر دور الإعلام المهني في تطبيق “استراتيجيات مكافحة التضليل” والتي تشمل الرصد اللحظي للشائعات والتحقق من مصادرها واستخدام تقنيات التحليل الدلالي للمحتوى الرقمي وتقديم المعلومات التصحيحية بشكل فعال ومقنع
ومع تطور أدوات التكنولوجيا بات الذكاء الاصطناعي جزءا لا يتجزأ من منظومة إدارة الأزمات الإعلامية خاصة في السياق الأمني حيث تسهم خوارزميات التعلم الآلي في تحليل الاتجاهات العامة والتعرف على التغيرات السريعة في المزاج المجتمعي كما يمكن استخدام تقنيات التصنيف الآلي لرصد المحتوى الذي يحمل طابعا تحريضيا أو يحتوي على مؤشرات تهديد سلوكي مما يسهم في اتخاذ قرارات سريعة وفعالة ضمن إطار “الدعم الاتصالي لاتخاذ القرار”
من الأمثلة التطبيقية على ذلك ما قامت به بعض الأجهزة الأمنية في التعامل مع حالات التهديدات الإرهابية حيث تم إنشاء غرف عمليات إعلامية مشتركة تقوم بتنسيق الرسائل الإعلامية بين مختلف الجهات وتفعيل خوارزميات الذكاء الاصطناعي لرصد المحتوى الرقمي المشبوه ومتابعة تحليلات الاتجاهات الاجتماعية بشكل لحظي لتوجيه الخطاب الإعلامي في الاتجاه الصحيح
إن فهم العلاقة بين الإعلام والأمن يتطلب اعتماد مقاربة تكاملية قائمة على الربط بين علوم الاتصال والإعلام وعلم إدارة الأزمات الأمنية وتحليل المخاطر وهذا لا يتحقق إلا بوجود سياسات وطنية شاملة للإعلام الأمني ترتكز على بناء القدرات البشرية وتحديث البنى التحتية الإعلامية وتوظيف التكنولوجيا الحديثة بشكل متكامل ومنسق مع بقية المؤسسات الأمنية