بقلم الدكتوره امال شكر
أصبحت الحاجة اليوم ماسة إلى القيام بتغييرات نوعية في مجالات العمل المؤسسي الحديث، بعد أن فقدت الإدارة العامة القديمة مصداقيتها

#بقلم_الدكتوره_امل_شكر
الإدارة العامّة الحديثة
مقدمة:
أصبحت الحاجة اليوم ماسة إلى القيام بتغييرات نوعية في مجالات العمل المؤسسي الحديث، بعد أن فقدت الإدارة العامة القديمة مصداقيتها في عدم قدرتها على متابعة مجريات الأمور والتطورات الإدارية والمعرفية المتلاحقة في القرن الحادي والعشرين الذي بات يعرف بأنه قرن التطورات الإدارية الهائلة، إذ لم تعد الإدارة العامة القديمة قادرة على المواكبة، وذلك يرجع إلى جمود أنماطها الإدارية وعدم مرونة هياكلها التنظيمية.
 في عدم قدرتها على متابعة مجريات الأمور والتطورات الإدارية والمعرفية المتلاحقة في القرن الحادي والعشرين الذي بات يعرف بأنه قرن التطورات الإدارية الهائلة، إذ لم تعد الإدارة العامة القديمة قادرة على المواكبة، وذلك يرجع إلى جمود أنماطها الإدارية وعدم مرونة هياكلها التنظيمية.
ومن هنا تظهر لنا الإدارة العامة الحديثة باعتبارها نموذجاً ذا طابع مميز، يمكن الاعتماد عليه في إعادة هيكلة النظم والنهج الإدارية المعاصرة، وذلك إنما يعني أن الإدارة العامة الحديثة باتت أكثر من مجرد نظام مؤسسي أنشئ لتقديم خدمات عامة أو لإنفاذ القانون، بل هي جزء لا يتجزأ من الحكم الديمقراطي، أو كما قال ألكسندر هاميلتون بأن جودة الإدارة العامة تكشف الكثير عن مدى جودة الديمقراطية في أية دولة، وهذا يستدعى من الأنظمة البيروقراطية في الإدارة التقليدية أن تتغير لتتسم بالاحترافية وجودة الأداء
وفي ضوء ما سبق يتطلب البحث التطرق إلى موضوع الإدارة العامة الحديثة على أنها مدخل ذو أهمية كبيرة لتحسين مخرجات المؤسسة التي تعنى بإحداث نقلة نوعية في عملياتها وممارساتها الإدارية للوصول إلى أفضل ما يمكن تحقيقه.
أهمية البحث:
يتناول البحث الحالي موضوعاً حديثاً، يعد من الموضوعات الضرورية في الوقت الحالي، وهو موضوع “الإدارة العامة الحديثة”، ويعتبر هذا البحث إضافة نوعية للأبحاث التي سبقته في هذا الموضوع، كما يستجلي بعض العناصر البحثية المرتبطة بالإدارة الحديثة التي قد تعمل على فتح الطريق أمام باحثين آخرين للقيام بدراسات أكثر استفاضة في هذا الموضوع.
المقصود بالإدارة العامة الحديثة:
تعرف الإدارة العامة الحديثة بأنها منظومة من الأنشطة الذهنية المتكاملة الأهداف والخطط التي تهدف إلى التفاعل المستمر مع البيئة الخارجية ومتغيراتها والتكيف معها بما يحقق أهداف المنظمة في الأجلين القصير والطويل، أو هي عمل إنساني واعٍ، يقوم على تحقيق أهداف معينة ومخطط لها مسبقاً، وذلك باستغلال الموارد المتوفرة ضمن بيئة معينة مع مراعاة المؤثرات الداخلية والخارجية الخاصة ببيئة العمل أو من خلال منهج محدد، والإدارة ليست حكراً على المنشآت بشقيها الخاصة والعامة.
ويمكن لنا أن نعرّف الإدارة العامة الحديثة بأنها تشير إلى نهج إداري معاصر، يتبعه المديرون والقادة في المؤسسات والمنظمات لضمان تحقيق الأهداف المؤسسية بكفاءة وفعالية. يتضمن هذا النهج العديد من العناصر والممارسات التي تهدف إلى تحسين أداء المؤسسات وتلبية تحديات العصر الحديث، ومن ذلك الموارد البشرية المميزة، التنظيم الإداري الفاعل، والتعليمات واللوائح المنظمة للعمل المؤسسي.
نشأة الإدارة العامة الحديثة وعوامل تطورها:
أن بداية ظهور مصطلح الإدارة العامة الجديدة يعود إلى أواخر السبيعينات وأوائل الثمانينيات من القرن المنصرم، وكان أول تطبيق لهذا المصطلح في بريطانيا خلال فترة رئيسة الوزراء مارجريت تاتتشر، كما تم تطبيقها في البلديات في الولايات المتحدة الأمريكية في كاليفورنيا وبعض الولايات الأخرى التي عانت بشكل كبير من الركود الاقتصادي وقسوة الضرائب، وكذلك تم تطبيقها في حكومات نيوزيلاندا واستراليا، وهذا النجاح جعل الكثير من الدول تجعل تطبيق الإدارة العامة الجديدة على أجندة الإصلاح الإداري، بعد ذلك بدأ اهتمام الأكاديميين من خلال تحديد الخصائص العامة للإصلاح، وتم وضعها تحت عنوان “الإدارة العامة الجديدة”.
ويبدو لنا أن نشأة الإدارة العامة الحديثة تعود إلى عدة عقود، وهي نتاج تطورات اقتصادية واجتماعية وسياسية، ومن العوامل التي ساعدت على نشوئها:
– التطور الاقتصادي والتكنولوجي: في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، شهد العالم تحولًا اقتصاديًا هائلاً مع تطور التكنولوجيا والانتقال إلى اقتصاد معرفي وخدمي. هذا الانتقال أدى إلى تغيرات هيكلية في المؤسسات.
– العولمة: تزايد التفاعل الاقتصادي والاجتماعي بين الدول نتيجة للعولمة أدى إلى زيادة الضغوط على الحكومات لتقديم خدمات عالية الجودة وتنظيم الأعمال العامة بشكل فعال.
الحاجة إلى التحسين المستمر: مع زيادة توقعات المواطنين والمؤسسات للخدمات الحكومية والقطاع العام، أصبح التحسين المستمر ضرورة ملحة.
– الضغوط المالية: زيادة الديون الحكومية وضغوط الميزانية دفعت الحكومات إلى تحسين إدارتها واستخدام الموارد بكفاءة.
– الديمقراطية والشفافية: ازدياد التركيز على قيم الديمقراطية والشفافية دفع الحكومات إلى تحسين عملياتها والتفاعل مع المواطنين بشكل أفضل.
– النماذج الناجحة: دراسة النماذج الناجحة من دول أخرى والتأثيرات الإيجابية للإصلاحات الإدارية في بعض الدول ساهمت في نقل مفاهيم الإدارة العامة الحديثة إلى أماكن أخرى.
ومن هنا فإن هذه العوامل تلخص تطور الإدارة العامة الحديثة وظهورها كمفهوم مهم في تحسين إدارة المؤسسات والحكومات بشكل شامل.
أهمية الإدارة العامة الحديثة كمدخل للتطوير التنظيمي:
تأتي أهمية الممارسات الفاعلة للإدارة العامة الحديثة داخل المؤسسات الحكومية في أنها تعمل على تطوير الأعمال المؤسسية التي يقوم بها الموظفون، حيث كانوا يمارسون أنماطاً إدارية تقليدية، لا تحدث التوقعات الإيجابية المطلوبة في ظل التغيرات والتطورات المتلاحقة التي طرأت على نظم الإدارات الوظيفية المختلفة، فاقتضت الحاجة إحداث نقلة نوعية بالانتقال من الممارسات والأنماط التقليدية غير الفاعلة إلى الممارسات والأنماط الحديثة الفاعلة والرشيدة مما أدى إلى تطوير الإدارات بأنماطها وأشكالها المختلفة، وهذا أدى إلى تحسين الأعمال الوظيفية التي يقوم بها العاملون
ومما سبق تتبين لنا أهمية الممارسات التي تؤدى داخل الإدارات العامة الحديثة في أنها تواكب المستجدات المعاصرة بحيث تساعد الموظفين على تحسين الأعمال الوظيفية التي يؤدونها، كما تعمل على تخليص المؤسسات من الفساد الإداري والانتهاكات اللاسوية التي يقوم بها بعض الموظفين.
الخصائص المميزة للإدارة العامة الحديثة:
أن الإدارة العامة الحديثة تتصف بالخصائص العامة، وهي كما يلي:
– موجهة (التوجه نحو الأهداف والنتائج): تركز الإدارة العامة الحديثة على تحقيق الأهداف المؤسسية وتحسين الأداء من خلال وضع أهداف واضحة وقياسية وتقدير النتائج
– الشفافية والمساءلة: تشجع الإدارة العامة على الشفافية في اتخاذ القرارات وتقديم المعلومات للجميع داخل المؤسسة وخارجها. وتشمل المساءلة مسؤولية القادة عن قراراتهم وأفعالهم.
– التنظيم وإدارة الموارد: يتعين على القادة في الإدارة العامة تنظيم الموارد بشكل فعال لضمان استخدامها بكفاءة وتحقيق أهداف المؤسسة. يشمل ذلك إدارة البشر والأموال والوقت والتكنولوجيا
– التفكير الاستراتيجي: يجب على القادة في الإدارة العامة أن يكونوا قادرين على وضع استراتيجيات طويلة الأمد واتخاذ القرارات الاستراتيجية لتحقيق التنمية والنمو المستدام.
– التحول التنظيمي: يشجع الإدارة العامة الحديثة على قبول التغيير والتحول في المؤسسة لمواجهة التحديات الجديدة والتكيف مع التطورات في البيئة العامة.
– التواصل والتفاعل: تعزز الإدارة العامة التواصل الجيد بين مختلف مستويات المؤسسة وتشجع على التفاعل والتعاون بين الأقسام والأفراد.
– التحسين المستمر: يتعين على الإدارة العامة السعي المستمر نحو تحسين الأداء وتطوير العمليات والممارسات.
– التنويع وإدماج التكنولوجيا: تشجع الإدارة العامة الحديثة على استخدام التكنولوجيا وتنويع الأساليب والأدوات لتحقيق الأهداف بكفاءة أكبر.
ويمكن القول بأن السمات الأساسية السابقة للإدارة العامة الحديثة تلخص التوجهات والممارسات التي تهدف إلى تحقيق أفضل أداء وتكيف المؤسسات مع التحديات والفرص في العالم المعاصر.
أهداف الإدارة العامة الحديثة:
ذكرت زكريا (2023، ص428) أن اتباع الرشيدة والفاعلة في الإدارات العامة الحديثة في العصر الحالي يحقق مزيداً من الأهداف، وهي كما يلي:
تطوير الأجهزة الإدارية في مختلف المؤسسات الإدارية.
الارتقاء بأداء الموظفين والعاملين في مختلف الأجهزة الحكومية.
حوكمة الأعمال الوظيفية التي يؤديها الموظفون بناء على معايير موضوعية عادلة وشفافة.
تحقيق النهضة الاقتصادية والتنموية لمسايرة التقدم التقني والمعلوماتي في القرن الحادي والعشرين.
العمل على تطوير تكنولوجيا المعلومات وتقنيات التواصل والاتصال بين الأجهزة الحكومية المختلفة.
توظيف الأدوات والوسائل والأنماط الإدارية الحديثة، بما يضمن تحقيق أفضل أداء وظيفي.
مكافحة أوجه ومظاهر الفساد الإداري بما يكفل نشر الشفافية والنزاهة والموضوعية في أداء الوظائف المختلفة.
التقليل من القيود البيروقراطية، والقضاء على الأنماط الإدارية غير السوية كالنمط الإداري التسيبي والنمط الإداري الأوتوقراطي.
ومن خلال ما سبق يتضح لنا أن اتباع الممارسات الناجحة في الإدارة العامة الحديثة يعمل على تحقيق مزيد من الأهداف المرجوة، والتي تمتد لتشمل كافة مدخلات وعمليات ومخرجات الإدارة العامة الحديثة بحيث نصل في نهاية الأمر إلى الارتقاء بالأعمال المؤسسية وتجويدها بما يضمن الوصول إلى أفضل جودة شاملة في الإنتاجية والخدماتية.
أهم العوامل المؤثرة على الإدارة العامة الحديثة:
هناك جملة من العوامل التي تؤثر على الإدارة العامة الحديثة، وهي كما يلي:
– الاستقرار السياسي: إذا شعر المواطنون في الدولة أن المؤسسات الحكومية لا تقدم لهم الخدمات المطلوبة بسهولة ويسر، فإن الجهود التب تبذل لتعبئة قواهم لا يمكن لها النجاح، وإذا كانت الأجهزة الإدارية غير منظمة فلا يمكن لخطط التنمية الإدارية أن تنفذ على أرض الواقع.
– الهيكل الاقتصادي: يؤدي تباين التراكيب الاقتصادية للدولة إلى عدم انتظام الممارسات الإدارية الحديثة، فمثلاً إذا كان القطاع الصناعي هو عصب الحياة الاقتصادية في المجتمع، فمن الطبيعي أن يؤثر ذلك سلباً على القطاعات الأخرى، ومنها النظم الإدارية العامة الحديثة.
كما أن المستوى الاقتصادي يؤثر على نظم الإدارة العامة الحديثة، فمثلاً إذا كان المستوى الاقتصادي متقدماً فإن ذلك يؤدي إلى تقدم الإدارة العامة الحديثة، أما إذا كان المستوى الاقتصادي متأخراً، فإن الإدارة الحديثة ستتأثر سلباً بذلك.
– العامل الاجتماعي: فمثلاً انتشار الظواهر السلبية في المؤسسة الإدارية كالفساد الإداري مثل الرشوة والمحسوبية، فإن ذلك يعوق تقدم الإدارة العامة الحديثة، في أن انتشار الإصلاح الإداري يعمل على دفع عجلة الإدارة العامة الحديثة ويؤثر إيجاباً في هيكلة الجهاز الإداري، ومن ثم في اتخاذ القرارات الإدارية التي تتخذها الإدارة الحديثة.
– العامل التكنولوجي: فمثلاً التقدم التكنولوجي يمكن أن يؤدي إلى استغناء الإدارة العامة الحديثة عن مجموعة من العاملين نظراً لإحلال التكنولوجيا محل الإنسان في بعض الأحيان، بل إن تطوير الأساليب الإدارية وإدخال التقنيات التكنولوجية يساعد على دفع الإدارة العامة الحديثة إلى الأمام.
ويمكن لنا أن نضيف إلى ما سبق إلى أن ممارسة الأنماط الإدارية التقليدية كالبيروقراطية أو الأوتوقراطية يمكن أن تؤثر سالباً على سير التوجهات الإدارية الحديثة، فهي تقلل من الإنتاجية أو نوع الخدمات المقدمة للجمهور، في حين أن اتباع الأنماط الإدارية الحديثة كاتباع النمط التشاوري وتكوين الفرق العاملة والتخيط الاستراتيجي والمشاورة في صناعة القرارات وتنفيذها بمكن أن يدفع بالإدارة العامة الحديثة إلى الأمام.
الخاتمة:
تناول البحث الحالي موضوع “الإدارة العامة الحديثة”، وهي من الموضوعات التي تستحق البحث المتعمق أكثر فأكثر؛ لأن المؤسسات الحكومية بحاجة ماسة إلى وجود إدارات فاعلية، تعمل على تنظيم أعمال الموظفين، وتوجههم نحو تحقيق الأهداف المرجوة التي يضعها أصحاب القرار بما يساعد على إحراز تقدم نوعي في كافة المستويات الإدارية للمؤسسات، وهذا يحقق تميزاً وأداءً عاليين.
إن الممارسات التي يقوم بها الموظفون في ظل الإدارة العامة الحديثة ينبغي أن تتجه نحو التحرر من كافة الممارسات التقليدية التي أثرت سلباً على مخرجات المؤسسات، فأدى ذلك إلى تقليل النتاج وخفض جودة الخدمات التي تقدم لجميع المواطنين.
التوصيات:
نوصي بما يلي:
– ضرورة إجراء دراسات متعمقة تتناول أبعاد الإدارة العامة الحديثة وأثرها في تحسين الممارسات الإدارية في مؤسسات معينة.
– تشكيل مادة علمية من محاور البحث السابقة بحيث يتم تدريسها ضمن المناهج التعليمية ليكون الطلاب على دراية تامة بكل ما يتعلق بالإدارة العامة الحديثة.
 
				



