بقلم الفريق الدكتور سعد معن خلية الإعلام الأمني قيادة العمليات المشتركة
الشرطة التنبؤية… خطوة نحو أمنٍ استباقي ومستقبلٍ أكثر استقرارًا

الشرطة التنبؤية… خطوة نحو أمنٍ استباقي ومستقبلٍ أكثر استقرارًا
====================
الفريق الدكتور
سعد معن
خلية الإعلام الأمني
قيادة العمليات المشتركة 
في عالمٍ باتت الجريمة فيه تتخذ أشكال متعددة ومتنوعة بتنوع أدوات التكنولوجيا، بات لزام علينا كمعنيين أمنيين ان ننتقل من مرحلة التصدي للجريمة بعد وقوعها إلى مراحل التنبوء بالجريمة قبل وقوعها ودراسة الأسباب والدوافع للفعل الجرمي .
وهنا يبرز لدينا مفهوم الشرطة التنبؤية الذي يمثل نقلة نوعية كبيرة في عمل مؤسساتنا الأمنية إذا نجحنا فعلا في توظيف هذا المصطلح إلى واقع ملموس تنعكس آثاره على الاستقرار الامني والسلم المجتمعي كما نجحنا قبل ذلك بتعاون مؤسسي وثيق في استحداث أقسام الشرطة المجتمعية ومحاربة الشائعات والاستقراء والتنبؤ الاستراتيجي التي وظفت لتعزيز عمل قواتنا الامنية .
الشرطة التنبؤية لا تقوم على الحدس أو التخمين، بل على التحليل العلمي للبيانات، واستثمار العلوم الاجتماعية والجغرافيا الجنائية، لفهم أنماط الجريمة وتحديد أماكن احتمالية وقوعها قبل حدوثها فعلاً. هذا المفهوم، الذي طُبّق في عدد من الدول المتقدمة، مكّن أجهزة الأمن من توجيه الجهود والموارد نحو النقاط الساخنة، وتقليص زمن الاستجابة، والحد من معدلات الجريمة بشكلٍ ملحوظ.
في العراق، ومع التحديات الأمنية المعقدة التي نواجهها، يصبح تفعيل هذا المفهوم أكثر إلحاحًا. فالبيئة العراقية بما تحويه من تنوع اجتماعي وجغرافي تمثل نموذجًا مثاليًا لتطبيق أساليب التنبؤ الأمني. من خلال دمج البيانات الأمنية التاريخية مع المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية، يمكننا رسم خرائط جنائية تفاعلية تساعد في التعرف على أنماط الجريمة قبل تشكّلها، سواء كانت جرائم جنائية تقليدية أو تهديدات أمنية ناشئة.
ولعل الأهم من ذلك أن الشرطة التنبؤية لا تستبدل العنصر البشري، بل تعزز كفاءته. فهي تمنح رجل الأمن رؤية أوسع وقدرة على اتخاذ قرارات أكثر دقة، مما يسهم في تعزيز السلم المجتمعي وتقوية جسور الثقة بين المواطن والمؤسسة الأمنية. فكلما كانت استجابتنا أسرع وأدق، شعر المواطن بأن الأمن حاضر قبله لا بعده.
إن تبنّي هذا النهج في العراق يتطلبالاستمرار بتطوير البنية التكنولوجية الأمنية، ورفع سقف تدريب الكوادر على تحليل البيانات، وتفعيل الشراكة مع الجامعات ومراكز البحوث الاجتماعية. فالأمن اليوم لم يعد مجرد حراسة ميدانية، بل هو علمٌ وتحليل وتخطيط استراتيجي يعتمد على المعرفة والبيانات أكثر من الاعتماد على القوة وحدها.
ان تفعيل الشرطة التنبؤية في العراق ليس ترفًا علميًا، بل هو ضرورة وطنية لتعزيز الاستقرار الداخلي، وحماية المكتسبات الأمنية التي تحققت بدماء وتضحيات رجالنا الأبطال.
إنها خطوة نحو عراقٍ أكثر أمنًا، وأكثر وعيًا، وأكثر استعدادًا لمستقبلٍ تُدار فيه الجريمة بالعقل قبل القوة.



